الإعلام العربي والغربي- فجوة التبعية وطموح التنوير.

المؤلف: مها الشهري08.13.2025
الإعلام العربي والغربي- فجوة التبعية وطموح التنوير.

على الرغم من أننا، في عالمنا العربي، غالبًا ما نقوم بمقارنات واسعة النطاق مع الغرب عبر وسائل الإعلام، ونتبنى تقليدًا يكاد يكون حرفيًا في الشكل والصورة والأداء، متجاهلين في ذلك طبيعة التوافق الاجتماعي والثقافي الفريدة لدينا، وكذلك أساليب التنميط التي تُستخدم في تناول القضايا العامة، إلا أن الغرب سيظل متمسكًا بمعطيات تفوقه وسيبني جميع منطلقاته على هذا الأساس الراسخ. في المقابل، نجد أن التبعية ستظل مبررة بسبب الفجوة العميقة بين الواقعين العربي والغربي في شتى مجالات الحياة، وليس الإعلام وحده. يثبت الإعلام الغربي جدارته في تناول الطرح بما يتناسب مع المستويين الثقافي والاجتماعي السائدين في الداخل. ومع ذلك، يؤخذ عليه استخدامه لأساليب التضليل في المعلومات التي ينقلها عما يحدث في الخارج، وذلك بما يتماشى مع سياسة التوجيه التي يتبناها، والتي غالبًا ما تجعل الناس يصدقونه لما يتوافر فيه من شروط التناول الموضوعي للأحداث. لقد نجح الإعلام الغربي بذلك في تكوين صورة نمطية مهيمنة على العقل الاجتماعي، فهو من يصنع الرأي العام ويؤثر فيه تبعًا للبناء الهندسي الدقيق في المجتمع. ولأن تلك المجتمعات الغربية هي نتاج قرون من الحداثة السياسية والثقافية التي أنتجت بيئة من المشاهدات الناقدة، وتتميز بحياة حزبية تخضع لضوابط وآليات للنشاط السياسي خارج دائرة الإعلام، فمن الصعب أن يكون الموقف لدينا هو الضد. هذا يفسر طبيعة مجتمعاتنا وخطورة التأثر بما يقال هناك، خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي، مما قد يؤدي إلى خلق أجواء من التطرف والتحريض على المستوى الاجتماعي. صحيح أن الانتقادات المتكررة الموجهة من الإعلام الغربي قد تكون لاذعة ومؤلمة أحيانًا، نظرًا لأنها تأتي من الصناعة الأكثر ريادة وتقدمًا على المسرح الحضاري، ولكن يجب علينا أن نصنع إعلامًا تنويريًا يتغاضى عما يقال، وبالمقابل أن نعمل بجد لتحقيق احتياجاتنا التنموية الحقيقية، وليس السعي وراء انعكاس الصور التي قد تُفسر بشكل مختلف في الواقع الغربي. لأننا في هذه الحالة سنبقى مهتمين بالشكليات التي نثير بها إعجابهم، بينما هي لا تحقق لمجتمعنا أي منفعة حقيقية. مهما سعينا إلى أن يمتدحنا الإعلام الغربي، فلن ننال إعجابه ما لم تتحسن أعمالنا في الداخل، وخاصة ما يتعلق بالحقوق والإنسان. من الجيد أن يتحدث الآخرون عن إنجازاتنا على سبيل الذكر أو الثناء، ولكن الأفضل أن يأتي هذا الحديث كنتيجة لما نبنيه بناءً حقيقيًا داخل مجتمعاتنا، وليس كهدف يثير الإعجاب على المستوى الظاهري والخارجي، والذي قد يعرضنا للنقد والسخرية التي سمحنا بأن تكون مجالًا للتأثر والتأثير.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة